ذكرى موقعة الجمل – د.حلمي الجزار

في مساء يوم الثلاثاء الموافق الأول من فبراير 2011 ألقى الرئيس السابق خطاباً غلب عليه الجانب العاطفى، أعلن فيه أنه لم يكن ينتوى أن يرشح نفسه مرة أخرى لانتخابات رئاسة الجمهورية (والتي كان من المقرر لها شهر سبتمبر 2011)، وقرر أيضاً أنه خدم مصر لأكثر من 60 عاماً وأنه عاش على أرضها وفيها يموت ويحكم التاريخ له أو عليه. وتأثر كثير من الناس، وسارع بعض مقدمى البرامج في القنوات التليفزيونية في ذرف الدموع داعين الثوار في ميدان التحرير للعودة إلى بيوتهم والانتظار لمدة سبعة أشهر فقط (من فبراير إلى سبتمبر 2011) حتى يحين موعد انتخابات الرئاسة وللشعب وقتها أن يختار رئيسه الجديد. ومرت ليلة عصيبة على الثوار في ميدان التحرير، فماذا عساهم أن يفعلوا في مواجهة هذا السيل الإعلامى، بل إن الكثيرين قد انصرفوا بالفعل من الميدان، حتى أصبح صباح اليوم التالى (الأربعاء 2 فبراير 2011) ومرت ساعاته الأولى بطيئة حتى فوجئ ثوار الميدان باقتحام الخيول والجمال وعلى ظهورها من يقودها لدهس الثوار وإخلاء الميدان، ومن عجب أن الحراسة العسكرية للميدان قد سمحت للخيول والجمال باقتحامه. وتنادى الثوار على الفور لصد هذا العدوان، وكانت ملحمة لم تضع أوزارها حتى منتصف الليل التالى. وأثناء تصدى الثوار لهذا الغزو الهمجى كان هناك قناصة قد اعتلوا أسطح العمارات المطلة على الميدان، وأخذوا في اصطياد الثوار بطلقات نارية منها ما استقر بالرأس أو الصدر فسقط في هذا اليوم شهداء كثيرون وأصيب عدد أكبر، وانتهى اليوم على أكبر عدد من الشهداء والمصابين منذ اندلاع ثورة 25 يناير، لكن الثوار ثبتوا في مكانهم واستمر الميدان في قبضتهم، وهرع الناس من كل الأعمار إليهم ليؤازروهم ويناصروهم، واجتمع الملايين من البشر في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر يوم الجمعة 4 فبراير 2011 فيما عرف بجمعة الرحيل (أو الخلاص). وأطلق الإعلام على هذه الموقعة اسم «موقعة الجمل» التي اعتبرها كثير من المتابعين يوماً فاصلاً في حياة الثورة المصرية، إذ لولا ثبات الثوار في ميدان التحرير لانتهى أمرهم وأمر الثورة معهم. وشهد كثيرون ومنهم المهندس نجيب ساويرس والناشط علاء عبدالفتاح أن العنصر الأهم في مواجهة غزاة الخيول والجمال هم شباب وأعضاء الإخوان المسلمين الذين أبلوا بلاءً حسناً، ولأنهم منظمون استطاعوا أن يساهموا بالقدر الأكبر في الحفاظ على الميدان وثواره حتى قال البعض إنه «لولا الإخوان لتم ذبحنا في موقعة الجمل». ورغم محورية هذا اليوم وأهميته في مسيرة الثورة لم يكد يحس أحد من المصريين بذكراه ولم يتم الاحتفال به بالطريقة الواجبة. قارن ذلك أيها القارئ الكريم بإحياء ذكرى محمد محمود ومجلس الوزراء رغم أن المقارنة تصب بشكل كامل في مصلحة يوم الجمل فمن المسئول يا ترى عن خفوت الاهتمام بهذا اليوم الأهم في نجاح الثورة؟ هل هم الإخوان المسلمون أنفسهم؟ صحيح أنهم لا يميلون إلى الدعاية والإعلان عن أنفسهم ويؤثرون على ذلك الناحية العملية، لكن هذا اليوم لم يعد ملكاً لهم وحدهم بل هو يوم من أيام الثورة المجيدة. أم أن المسئول عن عدم الاكتراث بهذا اليوم هم خصوم الإخوان الذين يملكون وسائل الدعاية والإعلام ويريدون أن يبخسوا الناس أشياءهم؟ إن ذكرى موقعة الجمل سوف تظل عالقة بقلوب وعقول المصريين، ثم إنها موثقة صوتاً وصورة فلا يستطيع أحدٌ لها إلغاءً أو إهمالاً.

رابط المقال الأصلي

أضف تعليقك

اشتراك
Notify of
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تقييماً
Inline Feedbacks
View all comments
0
شارك برأيكx
()
x